عاشراً - استيفاء القصاص
يشترط لاستيفاء القصاص في ثلاثة شروط هي:
1- أن يكون المستحق له عاقلا بالغًا.
2- أن يتفق أولياء المقتول جميعًا على استيفاء القصاص، فإذا رفض أحدهم سقط القصاص.
3- ألا يتعدى القصاص الجاني إلى غيره، فلا يقتص من حامل حتى تضع حملها، وترضعه إن لم تجد مرضعًا.
أحد عشر - الأسباب العامة لامتناع القصاص
توجد عدة أسباب لو توافر سبب منها امتنع الأخذ بالقصاص وهذه الأسباب منها ما سبق شرحه هي[35]:
1 – إذا كان القتيل جزءا من القاتل، وسبق بيان ذلك في القصاص في النفس.
2 – انعدام التكافؤ بين الجاني والمجني عليه، ينظر إلي التكافؤ من ناحية المجني عليه وحده دون الجاني.
3 – أن يكون الفعل الموجب للقصاص حدث خطأ أو شبه عمد.
4 – أن يكون الفعل الموجب للقصاص تسببا.
5 – أن يكون الفعل الموجب للقصاص وقع في دار الحرب وهذا رأ ى الحنفية وحدهم دون باقي الأئمة.
6 – عدم أمكان الاستيفاء.
إذا توافر أي سبب من الأسباب السالفة يمتنع تنفيذ القصاص، ولكن لا تبرأ ذمة الجاني ويطلق سراحه دون عقاب، فهذه الأسباب ليست أسباب إباحة أي تجعل الفعل إذا التحقت به مباحا، ولكن تظل ذمة الجاني مشغولة بالدية لا تبرأ إلا بدفها أما للمجني عليه فيما دون النفس أو لورثة القتيل في النفس.
أثنا عشر – القصاص في القانون الدولي
بعد أن انتهينا من تبيان القصاص في القانون الجنائي الإسلامي، في محيط الدول أي داخل الدول علي مواطنيها، يمكننا تناول القصاص علي الصعيد الدولي، أي هل يمكن إعمال القصاص بين الدول، كما يطبق بين الأشخاص الطبيعية نتناول هنا إمكانية ذلك من عدمه.
الثابت والمستقر عليه في القانون الدولي العام أن أشخاصه هي الدول علي الإجماع والمنظمات الدولية علي اختلاف بين الفقهاء في القانون الدولي، ولكن غالبية الفقه الدولي يعتبر المنظمات الدولية من أشخاص القانون الدولي العام، كما أن غالبية الفقه الدولي حتى تاريخه لا تقر باعتبار الأشخاص الطبيعيين من أشخاص القانون الدولي العام.
من المستقر عليه في نظرية القانون أن كل قانون هو الذي يحدد أشخاصه المخاطبين بأحكامه، والقانون الدولي قد أختار وحدد كما بينا سلفا، كما أن كل قانون يضع قواعده وأحكامه بصورة تتناسب مع أشخاصه، فقواعد وأحكام القانون الدولي العام تناسب الدول والمنظمات الدولية.
ترتيبا علي ما سبق، يبدو منذ الوهلة الأولي استحالة تطبيق القصاص في القانون الدولي العام علي أشخاصه الدول والمنظمات الدولية، ولكن بنظرة متأنية فاحصة، تبدو المسألة في دائرة الممكن وليس في إطار المستحيل، خاصة وأن قواعد المسئولية الدولية في القانون الدولي في تطور مستمر[36] كما أن القانون الدولي ذاته في توسع وتطور مستمر من حيث الفروع، فقد شملت فروعه مجالات كثيرة، وأصبح الآن فرع من فروعه يطلق عليه القانون الجنائي الدولي أو القانون الدولي الجنائي.
وطبقا لطبيعة القانون الدولي العام فأنه يتعذر تطبيق القصاص في النفي بين الدول إلا في حالات نادرة، خاصة في حكام الدول التي تشن حروبا غير عادلة، ولكن يمكن محاكمتهم كما حدث في محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية ويقتص منهم، وتصل العقوبة إلي القتل، وقد أقر ذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2002م[37]، فقد نص هذا النظام علي جرائم في المادة (5)وأقرت المادة(25) من هذا النظام اختصاص المحكمة بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين الذين يرتكبون الجرائم الدولية المنصوص عليها في المادة الخامسة من النظام.
وبالنظر إلي طبيعة القانون الدولي العام قواعد وأحكام وأشخاص وآليات، قد يتعذر الحكم بالإعدام علي الشخص مرتكب الفعل الموجب للقصاص، لذلك تبقي الدية، وهي ما أخذت به أحكام المسئولية في القانون الدولي المعاصر، تحت مسمي( التعويض المادي)، ويعد هذا التعويض من قبيل الدية، إلا أن الأمر يجب إلا يقتصر في كافة الحالات علي التعويض إلا في حالة استحالة تنفيذ القصاص بالقتل, حتى لا يفلت الجناة من العقاب، خاصة وأن أفعالهم عادة ما يترتب عليها أضرار جسام تطول العديد من الناس، وليكون ذلك رادعا لهم ولغيرهم، كما يتم شفاء غيظ المجني عليهم وهم هنا كثير.
في القانون الدولي العام بعد تطور قواعد وأحكام المسئولية الدولية ونشأة فرع القانون الدولي الجنائي بقواعده وأحكامه فضلا عن انتشار القضاء الجنائي الدولي والقضاء الدولي بعد أنشاء المحكمة الدائمة للعدل الدولي في عهد عصبة الأمم عام1919م، ثم محكمة العدل الدولية في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، وأخيرا المحكمة الجنائية الدولية عام 2002م، وإنشاء العديد من المحاكم الخاصة ثم محكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية 1945م ومحاكم نورمبرج ومحاكم مجرمي يوغوسلافيا ورورندا.
وأن نظام المسئولية الدولية في القانون الدولي العام وأن كان لم يأخذ بالقصاص كمصطلح إلا أنه أخذ به كمضمون في التعويض عن الأفعال التي تشكل جرائم دولية في القانون الدولي العام.
وفي النهاية يمكننا القول أن القانون الدولي قد أخذ بنظام القصاص مضمونا بالحكم بالتعويض سواء علي الأشخاص الطبيعيين الذين يرتكبون الجرائم الدولية، أو علي الدول كأشخاص دولية، وكذلك علي المنظمات الدولية، فقد تحكم المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية علي دولة أو منظمة دولية كشخص من أشخاص القانون الدولي بالتعويض عما ارتكبا من أفعال تشكل جرائم دولية سببت ضررا لأحدي الدول أو المنظمات الدولية أو للأشخاص الطبيعيين مواطني الدولة المعتدي عليها.
خاتمة
في صفحات ليست بالقليلة، ولا بالكثيرة، بينا فلسفة التشريع الجنائي الإسلامي، وركزنا بحثنا هذا علي أساس من أسس التشريع الجنائي الإسلامي وهو (القصاص) فقد بيناه من ألفه إلي يائه، من التعريف والأنواع والمضمون والأحكام والحكمة منه والشروط والموانع، فقد بينا مدي الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ).
وانتهينا إلي أن أوجه الإعجاز فيها متعددة فهي تحفظ الحياة وتمنع الجريمة وتبعث في المجتمع الأمن والأمان والطمأنينة، وتجعل الحياة هادئة مستقرة، وفندنا حجج المبطلين الذين لا يريدون أن يتحاكموا إلي الطواغيت دون شرع الله سبحانه وتعالي، ورددنا شبهات ودحضنا مفتريات تثار ضد التشريع الجنائي الإسلامي.
ولم يقتصر الأمر علي القانون الجنائي الوطني، بل تطرقنا إلي القصاص في القانون الدولي العام، وانتهينا إلي وجوده في القانون الدولي العام بعد تطور قواعد وأحكام المسئولية الدولية ونشأة فرع القانون الدولي الجنائي بقواعده وأحكامه فضلا عن انتشار القضاء الجنائي الدولي والقضاء الدولي بعد أنشاء المحكمة الدولية للعدل الدولي في عهد عصبة الأمم ثم محكمة العدل الدولية في ميثاق الأمم المتحدة وأخيرا المحكمة الجنائية الدولية عام 2002م، وإنشاء العديد من المحاكم الخاصة ثم محكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية محاكم نورمبرج ومحاكم مجرمي يوغوسلافيا ورورندا.
وكان مما وصلنا إليه في نهاية الدراسة وجوب الأخذ بتشريع الله سبحانه وتعالي علي كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، خاصة التشريع الجنائي الإسلامي حتى يسود الأمن والأمان ويستقر الأمن والسلم الدوليين